مدونة المعرفة والتأصيل

مدونة المعرفة والتأصيل

السبت، 24 سبتمبر 2016

مع زوايا الطنطاوي في كتابه " من غزل الفقهاء " [ ركن الكتاب ]


الغزل والفقهاء ، مصطلحان ربما ينبو اقترانهما عن أسماع بعض القراء ، وذلك لأن الغزل في سجلات تاريخه اقترن بالشعراء والأدباء أو من جهة أخرى بالمجون وذويه، في حين ارتبط اسم العلماء بالزهد وروّاد رحاب المساجد وكراسي الحديث والعلم، ما أدّى إلى عدم التزاوج بين المصطلحين، وبالأخص لدى الكادر المتخرج في الحوزات العلمية.
وباستيحاء المذكور من الواقع نقتصر على مسطور الطنطاوي في كلماته الأولى من الكتاب عن مقولة ذاك الشيخ المتزمت – كما وصفه هو - : ليس يليق بالشيوخ والقضاة أن يتكلموا في الحب أو يعرضوا للغزل !.
نعم، لأن الشريف فوق العادي في سمته وكلمه ومكتوبه، ولا يُستحسن له الخوض في أمر عرف بمن دونه، ووُسم إشهاره والاشتهار به بأرباب المجون.
ولكن المفطور البشري لا يفرق بين الجنس الذي فطر فيه، ومهما علا شأنه وارتفع كعبه فهو في المفطور فيه كسائر بني جنسه ، وإن اختلف ذاك الجنس في حفاظ مفطوره على أصله أو الغلو فيه والتفريط عنه، وهذا ما أراد الطنطاوي أن يبينه في الصفحات التي جمعها من غزل [المفطور البشري] العلماء .
ولما كان الشعر -قسيم المنثور- روضة المحبين، وجنّة المشتاقين، يطفئون به لهيب الاشتياق، عند تذكر العفيفات العتاق ؛ اقتصر كاتبنا على سرد منقوله عن العلماء، بعد توطئة جذابة عن الشعر ورفعة مكانته.
فكانت بداية رحلته الشعرية الغزلية العلمائية من جوهرة الأشعار الالتماسية المرصّعة بالتشبيب الغزلي العفيف :
وما سعاد غداة البين إذ برزت       كأنها   منهل   بالراح   معلول
هيفاء   مقبلة  عجزاء   مدبرة       لا يشتكى قصر منها ولا طول
ثمّ يمرّ الرّكب الغزلي بجهابذة من العلماء، فيقرُونه ويزودونه، ويقرظ بعضهم شعره بقوله " لا بد للمصدور من أن ينفث " .
ولكنّ العثرة في الغزل المنسوب إلى العلماء : وجود المجون فيه والفحش، وما لا يرتضيه لنفسه العامي فضلا عن العالم.
حاشا العلماء – رضوان الله عليهم – أن أنسب إليهم ذاك الغزل الطغياني غير العفيف، ولكن اللوم في ذلك على:
-      واضعيه ومؤلفيه، الذين نسبوه إلى العلماء تحت لبوس أي غرض كان.
-      وناقليه عنهم من الأدباء والكتاب دون تمحيص سنده، والتثبت عنه.
فما الذي يحمل عالما مثل الإمام عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود –أحد الفقهاء السبعة- أن يتغزّل بامرأة ويقول:
تجنبت   إتيان   الحبيب  تأثما       ألا أن هجران  الحبيب هو الاثم !
فذق هجرها إن كنت تزعم أنه      رشاد  ألا يا ربما  كذب  الزعم!
ولئن حملنا مقصوده – كما فعله كاتبنا – على ما ربط العقد، أو أباحه ملك اليمين ؛ فصعب أن نبرر لأبي القاسم القشيري في قوله – إن صح عنه - :
لو كنت ساعة بيننا ما بيننا     ورأيت  كيف  تكرر  التوديعا !
لعلمت أن من الدموع محدثا    وعلمت أن من الحديث دموعا!
وأين العفة والعفاف والحب الطبيعي من وصل الأمرد ، ونسبة الافتتان به إلى أحد أكابر العلماء في عصره، قائلا فيه :
لكن خشيت بأن يقول عواذلي      قد جُنّ هذا الشيخ في هذا الصبي !!
 فالباب كثير الشوك ، ملتوي الطرق ، دقيق المسلك ، ضيق المخرج ، يحتاج إلى تؤدة وتروي ، وتثبت وتبيّن ، فكل منقول في دواوين الأدب عن أشراف العلماء في الحب والغزل لا يصح نسبته إليهم، وخاصة إذا تضمّن فحشا في الكلام، وفجورا في المقال .

ولو وقفت على الموضوعات الشعريّة المنسوبة إلى الأئمة – رضوان الله عليهم – لأخذتك الحميّة بالصّداع الكلّي، فانظر – إن شئت – تفنيدها في "روضة" ابن القيم، و"غذاء"السفاريني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق