تمهيد ( واقع النص الشعري ) :
الضيافنة الفكريون هم المستوفدون لغريب الأفكار ، وبعيد الآراء ، المصفقون لكل فكر وافد وإن لم يتسق مع مبادئ وثوابت الدين الإسلامي ، المتلقفون لحشاياه دون نظر في ماهيته ومآلاته ، واطلاع على مُنطلقاته التاريخية ، وتدابير مؤسساته المعاصرة .
هم المنفعلون تحت سطوة التأثير الغربي ، المنبهرون لطفرته الحضارية المادية البحتة ، المتأثرون بهم في الفكر والسلوك ، وأحيانا في بعض الأيديولوجيات والميتافيزيقيات ، ووجهةِ نظرهم للكون والحياة .
وهو ما أدى إلى انعكاس التأثر المذكور على حياتهم الثقافية ، فحاربوا التراث الديني بحجة كونه العامل الأكبر لتخلف الشعوب والدول ! خصوصا في العالم الإسلامي المعاصر ، ورموا العقلية الدينية بالرجعية والتخلف ! وأنها لا تستطيع المشاركة في نهضة ما بعد القرن العشرين ، وغير ذلك من الادعاءات والاتهامات الفضفاضة .
ولست في مقام التنكيت على أباطيلهم ، وإنما القصد الإشارة إلى مرمى النص الشعري الناعت لحال الضيافنة الفكريين .
والضيفن : الذي يتبع الضيف متطفلا ، وأصله الكلمة ضيف ، زيد عليها نون ، فأدت إلى تغير المعنى الأصلي ، وكان العرب يستثقلون الضيفن – الطفيلي – الذي يأتي مع الضيف دون دعوة سابقة ، كما قال شاعرهم :
إذا جاء ضيف جاء للضيف ضيفن *** فأودى بما تُقرى الضيوف الضيافن
ثريد كأن السمن في حجراته *** نجوم الثريا أو عيون الضياون[1]
واستعرت اللفظ هنا مع عدم مطابقته للمعنى الأصلي من سائر الوجوه إلا أن بعض الصور في المعنى المستعار له تلفى في المعنى الأصلي ، فكون الضيافنة الفكريين يستوفدون أفكارا لا يدركون منطلقاتها ومُخرجاتها ، واستثقال أهل الإسلام لمثلهم ، يشبه ورود الضيفن الطفيلي إلى موائد لا يعرف عن سميتها وسلامتها شيئا ، واستثقال الناس لهم .
(النص):
ضَيافنُ في الأفكار والعلمِ والقصَد *** إذا جاءهم يوما عن الغرب مُعتقد
وإن وجدوا الشرع الحنيف مخالفا *** أثاروا ضجيجا ذا التخلف فليُرد
يدوسون بالأقدام راية دينهم *** وقانون شرع الله عندهمُ صَفد
وأقبح موروث لدى القوم شِرعةٌ *** لها الحق في التحريم والعكسُ مُعتمَد
إذا قيل قال الله ، قال رسوله *** يُجيبك بالرجعِيْ، وذا القول قد يُضد
وإن نُسبت يوماً إلى الغرب فكرةٌ *** تكففها في الحال والقلبُ قد عقَد
سقوطُ خَلاق القوم عندهمُ بدَت *** تحررَ أفكارٍ ويا ليتهُ انتقَد
ولكن شرع الله غاية رجعة *** لديه وفي هذي الحضارة مُفتقَد
يُذبذب بين الفيلقين تراه في *** معاقلنا والقلب للغرب قد ورد
يداعب إلحاداً ليرضي ملوكه *** ولكنْ رضى الرّحمن حقاً قد ابتعد
فيا رب ثبتنا على الحق والتقى *** مماتاً ومحيا غافرَ الذنب والصمد
………………………………………………………………………………….
- الهوامش :
[1] الكنز اللّغوي في اللَسَن العربي لابن السكيت صـ 62 .
( غريب القصيدة ) :
ضيافن : تقدم .
صفْد : من صفَد بالفتح : شده وقيده بالسلاسل ، ويُفتح المصدر في البيت لاستقامة الوزن .
والعكس معتمد : أي عكس التحريم وهو التحليل ، ومعناه : أنّهم يشمئزون من قصر التحليل والتحريم على الشريعة .
تكفف : مد كفه .
الفيلقين : تثنية فيلق : الكتيبة العظيمة من الجيش .
معاقل : جمع معقل : الملجأ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق