مدونة المعرفة والتأصيل

مدونة المعرفة والتأصيل

الجمعة، 23 سبتمبر 2016

المذهب العقدي عند الإمام الشافعي ( مؤلفاته العقدية، والمنسوبة إليه ) 2

الكتاب الثاني : وصية الإمام الشافعي أو [ العقيدة المختصرة [1] ]
الأسم الأعلى : مؤلف للمدون

نُقل عن الإمام الشافعي رحمه الله وصيتان تضمّنت إحداهما لفيفا من مسائل الاعتقاد وأصول الدين ، والثانية شيئا يسيرا منها ، وليست وصاياه محصورة على هذين ، فقد سطر عنه وصايا لبعض تلاميذه كالمزني ويونس بن عبد الأعلى[2] وغيرهما ، ولكنها وصايا خاصة ، لذا ستقتصر الدراسة الآتية على الوصيتين المشهورتين :
الوصية الأولى :
طبعت في المكتب الإسلامي في بيروت عام 1414هـ – 1994 م ، بتحقيق سعد الدين بن محمد الكبي ، وإشراف الشيخ زهير الشاويش ، تقع في ( 68 ) صفحة ، ضم إليها روايتان عن الإمام الشافعي في مسائل الصفات .
أخرجها أبو الحسن الهكاري في رسالته ” اعتقاد الشافعي ” [3]بسنده ، قال :
أخبرنا الزاهد أبو طاهر أحمد بن عاصم الموصلي نا أبو الحسن[4]علي بن القاسم المقرئ بالموصل قال : كتبت من كتاب ابن هشام البلدي رحمه الله :” باسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما وصى به محمد بن إدريس الشافعي ، ح[ تحويل ] وأخبرنا أبو منصور محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن سهل بن خليفة بن الصباح البلدي ، حدثني جدي محمد بن الحسن بن خليفة ثنا أبو علي الحسين[5] بن هشام بن عمر البلدي قال … ” ثم أورد كامل الوصية .
وعن طريق الهكاري رواها ابن قدامة في ” إثبات صفة العلو ” [6] .
 ورواها الحافظ عبد الغني المقدسي في كتابه ” اعتقاد الشافعي “[7] ذكره الذهبي في العرش [8] ، ونسبها ابن القيم رحمه الله إلى الحاكم والبيهقي[9] ، أما الحاكم فلعله يقصد كتابه ” فضائل الشافعي ” وهو من المصنفات المفقودة إلى وقتنا هذا [10] ، وأما البيهقي فالظاهر أنه لم يخرجها وإنما خرج وصية ثانية غير التي نتكلم عنها – وسيأتي الكلام عنها – .
تضمنت هذه الوصية مجموعة من مسائل أصول الدين ، مسطورة على نمط اعتقاد أهل السنة ، مع الاختصار والاقتصار على رؤوس المسائل ، كالإيمان ، والقرآن ، والرؤية ، والاستواء ، والقدر ، وأحوال القيامة ، والصحابة ، وغيرها .
وسياقها يشبه إلى حد ما كتب السنة وأصول الاعتقاد المروية عن أئمة السلف كأحمد والرازيين والبخاري وغيرهم ، من حيث تجانس المسائل الاعتقادية ، وتآلف العبارات ، وتوحد منهجيّة عرض مسائل الاعتقاد ، فيجد الباحث فيها نفحات عصر الإمام الشافعي .
بيد أنها لا تصح رواية عن الإمام رحمه الله وإن صحت دراية عنه [11] في غيرها من مؤلفات الإمام أو مدونات أصحابه وغيرهم .
وعلة السند :
  • ضعف أبو الحسن الهكاري (ت 486 ) [12] وهو :
علي بن أحمد بن يوسف بن جعفر بن عرف ، أبو الحسن القرشي الهكاري ، ورد في ترجمته أنه كان زاهدا فاضلا ، ووصفه الذهبي وغيره بشيخ الإسلام ![13] ، لكنه لم يكن موثوق الرواية .
قال ابن عساكر :” لم يكن موثوقا في روايته ” [14] .
وقال ابن النجار :” وكان الغالب على حديثه الغرائب والمنكرات ، ولم يكن حديثه يشبه حديث أهل الصدق ، وفي حديثه متون موضوعة مركبة على أسانيد صحيحة وقد رأيت بخط بعض أصحاب الحديث بأصبهان أنه كان يضع الأحاديث ” [15] .
وقال ابن أبي الفوارس :” كان فيه تساهل ” [16] .
  • ابن هشام البلدي ، لم أجد له جرحا ولا تعديلا ، وهو أبو علي الحسين[17] بن هشام بن عمر البلدي ، عاش في القرن الرابع الهجري ، سنة 346 ه [18]
روى عن أبي بكر أحمد بن عمر بن حفص القطراني بالبصرة ، وروى عنه محمد بن الحسين البلدي .[19]
وفي تلخيص المتشابه في الرسم : روايته عن محمد ابن عثمان بن أبي شيبة (ت 297 ه) [20] .
  • الانقطاع بين البلدي والإمام الشافعي ، فالظاهر أن البلدي لم يبلغ الإمام الشافعي رحمه الله ، فقد توفي الإمام سنة 204 هـ ، وعاش البلدي سنة 347ه وبين هذين التاريخين بون شاسع ، ولم أعرف له -بعد البحث- تاريخ ميلاد ووفاة .
ولعدم نهوض سندها ضعفها الإمام الذهبي رحمه الله ، فقال في السير :” وكذا وصية الشافعي من رواية الحسين بن هشام البلدي غير صحيحة ” [21] .
وقال في العلو :” وبإسناد لا أعرفه عن الحسين بن هشام البلدي قال هذه وصية الشافعي … إسنادهما واه ” [22] .
ومع ضعف سند الوصية إلا أن طائفة من العلماء والباحثين نسبوها إلى الإمام الشافعي رحمه الله ، واستظهر بعضهم صحتها عنه ، منهم :
  • الإمام ابن القيم رحمه الله كما في ” مختصر الصواعق المرسلة ” [23] .
  • الإمام السيوطي – رحمه الله – في كتابه ” الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ” ، قال بعد إيرادها :” هذه وصية الإمام الشافعي رضي الله عنه ” [24].
  • الحسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني في كتابه ” كشف الغطاء عن حقائق التوحيد ” ، قال بعد أن أوردها :” ونسب إلى الشافعي – رضي الله عنه – عقيدة أطول من هذه مشتملة على الأدلة فاكتفينا بهذه عنها وبالله التوفيق ” [25] وهي كما ذكر ، فقد رويت الوصية عنه مختصرة [26]ومطولة بالأدلة في بعض المسائل [27] .
  • واستظهر صحتها كارل بروكلمان في ” تاريخ الأدب العربي ” فقال :” وعلى خلاف ذلك تبدوا صحة نسبة العقيدة المختصرة ، التي رواها ابن عبدل عن علي بن الحسن بن هاشم بن عمر البلدي ”[28] .
  • وأكد محقق الوصية سعد الدين الكبي ثبوتها عن الإمام رحمه الله ، واعتمد على أمور لا ترتقي إلى درجة تصحيح الرواية .[29]
الوصية الثانية :
وهي الصحيحة الثابتة عن الإمام رحمه الله ، وردت في كتاب ” الأم ” للإمام رحمه الله [30] من رواية الربيع ابن سليمان ، ورواها البيهقي في المناقب وقال:” ولم يغير وصيته هذه ” [31]
وليس فيها من مسائل الاعتقاد المختلف فيها بين أهل السنة وغيرهم من الطوائف الكلامية شيء كثير ، ذكر فيها التمسك بالكتاب والسنة ، والوصية في أمور مماليكه وأولاده وصدقته وغيرها .
وأما ما ذكره الإمام البيهقي في المناقب[32] من العثور على عبارات مكتوبة حفرا في الحجر على اللوح الرأسي
لقبر الإمام الشافعي يوجد فيها بعض ما في وصيتيه المذكورتين فلم أجد له سندا معتبرا إلى الإمام – رحمه الله – ، وليس فيها مدرك النقاش الدائر بين أهل السنة والمتكلمين – الأشاعرة خصوصا – في العقائد .
………………………………..
الهوامش :
[1] هكذا سماها بروكلمان في تاريخ الأدب العربي ، القسم الثاني جـ3/321 .
[2] وصيته للمزني في تاريخ دمشق لابن عساكر 50/331 ، وليونس في حلية الأولياء لأبي نعيم 9/121 .
[3] يُنظر صـ 14 من اعتقاد الشافعي للهكاري ضمن مجموع فيه ثلاث رسائل .
[4] في بعض النّسخ : أبو الفتح .
[5] في تاريخ دمشق 6/56 : الحسن ، وكذا في هشام : هاشم .
[6] إثبات صفة العلو 175- 180 مكتبة العلوم والحكم .
[7] ذكر محقق مختصر الصواعق المرسلة أنه من المؤلفات المفقودة صـ 1087 .
[8] العرش 2/ 228 أضواء السلف .
[9] مختصر الصواعق المرسلة صـ1086
[10] حاشية المختصر صـ 1086 .
[11] وسيأتي تفصيله في فصول الكتاب القادمة .
[12] الهكاري بالفتح والتشديد وراء ، نسبة إلى الهكارية ولاية من أعمال الموصل ، ينظر : لب اللباب في تحرير الأنساب 1/279 دار صادر .
[13] ميزان الاعتدال 3/630 ، لسان الميزان 4/195 وذكر في الأخير أنه كان معروفا بهذا اللقب .
[14] تاريخ دمشق 48/364 .
[15] ذيل تاريخ بغداد صـ 173 ، والكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث 1/184 .
[16] ميزان الاعتدال 3/112 .
[17] في تاريخ دمشق 6/56 : الحسن ، وكذا في هشام : هاشم .
[18] معجم البلدان 1/481 وانظر تاريخ دمشق 6/56 .
[19] المصدر السابق 1/ 482 .
[20] تلخيص المتشابه للخطيب 1/332 .
[21] سير أعلام النبلاء 10/79 الرسالة .
[22] العلو للعي الغفار 165 أضواء السلف .
[23] الصواعق المرسلة صـ 1086 أضواء السلف .
[24] الأمر بالاتباع للسيوطي صـ 107 دار الفكر اللبناني .
[25] كشف الغطاء صـ 48 .
 [26] ينظر الوصية المروية في اعتقاد الشافعي للهكاري ضمن مجموع فيه ثلاث رسائل .
[27] وصية الإمام الشافعي ، تحقيق الكبي .
[28] تاريخ الأدب العربي ، القسم الثاني 3/321 .
[29] مقدّمة الوصية صـ 9 فما بعدها .
[30] الأم 5/266 دار الوفاء .
[31] مناقب الشافعي 2/288 ، وذكرها في الاعتقاد صـ 188 دار الآفاق الجديدة .


[32] المناقب 2/ 300 .

هناك تعليقان (2):

  1. مقال رائع جداً عن الأسرة وضغط الدراسة ..
    لا يفوتكم ⬇⬇

    https://noslih.com/article/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A9+%D9%88%D8%B6%D8%BA%D8%B7+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9

    ردحذف
  2. بوركت اخي الشيخ
    أخوكم ابو عاصم البركاتي

    ردحذف