مدونة المعرفة والتأصيل

مدونة المعرفة والتأصيل

السبت، 24 سبتمبر 2016

وقفة مع قصيدة “عجبا يحارب نفسه الصّومال “


وقفت على حين غرّة مني ديواناً يحمل اسم ” طفل مسلم من سراييفو والصّومال ” من شعر فيلق من فيالقة الشّعر المعاصرين خالد مصباح مظلوم ، فبحثت فيه بتلهّف وشوق غامر لأجد كلمات ذاك الطّفل البريء الصّومالي الّذي عبّر عنه الشّاعر بكلماته ، فلم يوافق شنّ طبقة، ولم أجد قصيدة توحي عن روح طفل يشكو ويتألّم ، ولكنّي بدلاً عنها وقفت على قصيدة العنوان ، قصيدة شاملة لخلجات إنسان ، وتأوّهات أرواح ، تقف الدّموع على مُقل العيون ، لتدرّ على صفحات الخدود .
في بادئ الأمر لم أعرها أثناء القراءة اهتماما ؛ لأنّها أُلّفت بعد سنة من مصيبة الصّومال الكبرى ( عام 1992) ، فكأنّ مشاعري كانت تهمس إليّ قائلة : شعر تاريخي أكثر من واقعي ، مضى له زهاء ربع قرن ؛ إلّا أنّها تلاشت بعد أن استقرّت العين على جُمل أصبحت في قلبي كرعدٍ فاجأ خائفاً يكبّ على زناد في أدغال ملتفّة ، تلك هي قوله :
الشرّ هذا منكمو وإليكمو *** وعليكمو يتواصل البَلبَالُ
كانت مطامحكم أشدّ تسامياً *** وغداً تدنّيكم هو الآمال
بعد أربع وعشرين سنة من هذا القول ، ما زالت الصّومال في تدنٍّ وتدهور ، كلّما بدا بريق أمل تآمرت عليه عصابات دجل .
يُفلق الشّاعر هامة شعره بكلمات توجز واقع البلد آنذاك ، ويصوّر ذاك الوضع المرير الّذي سيصطحبه للقارئ ذاكراً أنّ العظيم المُفتخر به ، الّذي يرجوه الجميع ويأمل الخير فيه ، إذا هوي بفعل جماعةٍ لاعقلانيّة ، ولم يتدارك الجمهور العاقل أمرهم لممّا يُقضى له العجب .
ثمّ يكرّ ويعدّد أسباب التدهور المفاجئ من نعرة قبليّة ، وتسلّط على كرسي ، وطغيان حكّام ، واستكثر من آهات النّدم وخطابات الترجي ، متوسّلاً بأواصر الرّحم والدّين .
والقصيدة تفسّر نفسها بنفسها ، ولا يحتاج قارئها إلى تبيين لاسيّما من يعيش الواقع الّذي تصفه ، وقبل بسط فرش القصيدة أُبرز إطلالة على القصيدة :
وهي أنّ القصيدة المكوّنة من ( 85 ) بيتاً الّتى رثاها الشّاعر السّوري بالصّومال قبل ربع قرن من الزّمان تصلح وأزيد منها أن تكون مرثية لإخواننا في بلاد الشام ( سوريّا ) – أصلح الله أحوالهم – وقد أُكلت الدّول الإسلاميّة يوم أكل الثّور الأبيض ، لم يكن يتصوّر الشّاعر الّذي صبّ صنوف اللّوم تارةً ، ودرر النّصح أخرى على الصّومال ؛ أنّ مسقط رأسه سيؤول إلى مثلها وأسو منها ، وإن لم نتدارك اليوم إصلاح ما خرب منّا كمسلمين سيتتابع الباقي على نفس المنوال – ونعوذ بالله من ذلك – .
وبعد هذه النّقطة أظنّ أنّ للنّفوس لهفاً بقراءة القصيدة ، وهزجاً لحكّ إنسان العين بها ، فلأترككم مع نبذة منها :
عجباً يحارب نفسه الصّومال *** وهو الّذي فخرت به الأجيال
عجباً دهته طغمة تختال *** وتظنّ أنّ جنونها استبسال
حربٌ وفوضى فاقةٌ وهزال *** وصراع أحزاب هو الصّومال
بسبيل ما يدعونه قبليّة *** قد مزّقوا أرحامهم وتقالوا
هي نعرة قبليّة منسوبة *** للجهل يسقط عندها الجهّال
بسبيل كرسيّ التسلّط دمّروا *** أمجادهم وعدُوّهم يختال
ماذا تقول لحاكمين أذلّهم *** ربي بما طمعوا به واحتالوا
من كان من يدهم مصائب نفسهم *** ماذا يقال بحقهم إن زالوا
استبدلوا قرباهمو بشقاقهم *** وهم بنو عم وهم أخوال
الوعي من قاموسهم محذوفة *** أمّا البديل الويل والإعوال
هدموا المزارع والمعامل والبنا *** وبنوا مقابر واستراح البال
قحط الطبيعة زاد قحط عقولهم *** وهم الجناة وشعبهم يغتال
أنفوا المحبة والتفاهم والهدى *** ساغوا الجهالة والغِوى وأطالو
ساغوا التزلّف للعدوّ بسؤله *** يأتي ويوقف حربهم ويطال
ساغوا دخول المشركين لأرضهم *** بدل التفاهم يا لهم جهّال
قاموا قديماً بالحضارة والعُلا *** واليوم تستهويهمُ الأغلال
واليوم كأس الماء أصبح ثروة *** واليوم ساد العُري والأسمال
وشهيد جوع لا شهيد معارك *** للّه قد جعلوك يا صومال
كلّ يقول بأنّه أسد الحمى *** هل يستوي القوّال والفعّال
أو ما يهزّهمو وفاة صغيرهم *** وأنين جيران لهم وسعال
الشرّ هذا منكمو وإليكمو *** وعليكمو يتواصل البَلبَالُ
كانت مطامحكم أشدّ تسامياً *** وغداً تدنّيكم هو الآمال
تبّت يدا قابيل يقتل أهله *** ويظنّ أنّه عاقل مفضال
ماذا نقول لمن يُعرّض أهله *** للجوع والبلوى أجب يا خال
إن كان حالهمو قديماً سيّئا *** أو ليس أسوأ منه هذي الحال
هذي المناظر من بلاد صُحّرت *** أرضاً وعقلاً كلّها أهوال
انظر إلى هذا الصغير وسربه *** أضلاعهم فوق الثّرى تنهال
وفتى تخشّب عوده ويفاعةٌ *** تُبدى على سيمائه وتُزال
الهيكل العظميّ يسعى ميّتا *** والميّتون بقربه أرتال
هل يا تراهم أغصن يبست على *** أعجازها أم إنهم أطلال
الشعب يفترش المذلّة والظما *** والفاسقون بطونهم أغوال
أسفي فما أم تشاهد لقمة *** لوليدها وعلى الظما تحتال
أو ما تؤرّقهم دموع رُقرقت *** من قلبها وحيالها الأطفال
من قبل كان لها نهود أرضعت *** نفس الرعاة وهم عليها بالوا
الموت أفضل من عذاب شعورها *** الموت أرحم من فتى يُغتال
أو ليس أمّ مثل هذي برّة *** بالنّسل يُجعل أجرها الإجلال
الأمّ رمز العطف يرفع شأنها *** نسل كريم اسمه الصّومال
يا أمّ يا شرف البريّة كلّها *** صبراً فصبحاً تهدأ الأحوال
وسيستجيب الله دعوتك التي *** ترجين فهو القادر الفعّال
صومال يا صومال يا بلد الهدى *** من قبل ، كيف تردّت الأحوال
صومال يا صومال رباطة الدّما *** والدّين تربط بيننا والمال
فلتخفضوا هاماتكم للحقّ يا *** قُوّاد فهو المُنقذ المِفضال
آن الأوان لكي تلمّوا شملكم *** من فوركم ويفارق البلبال
توبوا إلى الرّحمن ثوبوا للهدى *** وتغيّروا تتغيّر الأحوال
لا ييأس المخلوق من رحمانه *** كلّ الصّعاب بعونه ستزال
وبعد ، فالكلّ يعلم جزماً أنّ الوضع الصّومالي تحسّن من ذاك المرير الّذي ذاقه قبل سنوات إلّا أنّ مرارة آثاره ما زالت تختلج في أحشاء الشّعب المنهك ، وما زالت هناك فئة يقتفون آثار أبالسة الفتن ، كان الله في عون جميع المسلمين .

هناك تعليق واحد: