اشتهر لدى كثير من المعاصرين - بما في ذلك المؤلفون، والأصوليون ، وواضعوا المناهج والمقررات - أن المناهج المسلوكة في الأصول ثلاثة أقسام - في الأصل بغض النظر عن بعض ما أحدث بعدها - وهي :( طريقة المتكلمين - طريقة الفقهاء - الطريقة الجامعة ) وذكروا عللا لأصحية هذا التقسيم الاصطلاحي - علما بأن الاصطلاحات معللة بخلاف الأسماء - .
وهذا التقسيم يمكن أن نسميه كما نبه عليه بعض الباحثين ( التقسيم الخلدوني ) لأن ابن خلدون - عالم الاجتماع ومخترعه - أول من بذر فكرة التقسيم في تاريخه ، ثم لم يحظ بعده باعتناء من قبل الأصوليين والفقهاء إلا في العصر الحاضر ، بعد أن تبناه بعض فقهاء مصر أمثال الشيخ الخضر ، وخلاف ، وأبي زهرة ، وغيرهم من فقهاء الأمصار .
وقد اعترض على هذا التقسيم أنه غير مستقيم في المنهج والتعليل، كما أنه غير مطابق لواقع المؤلفات الأصولية على المسلكين - الجمهوري والحنفي - ، فضلا عن مساهمته في الانفكاك عن الأصول والتفقه فيه لدى كثير من المتفقهة .
التقعيد الموسوم بالمتكلمين موجود لدى الحنفية( الفقهاء )، والتفريع الموسوم بالحنفية موجود - وبكثرة - لدى الجمهور ( المتكلمين ) ، وإن كانت بعض المؤلفات تجردت عنها كبعض مؤلفات الحنفية في الأصول ، فالتفريق ليس له أصل منضبط يسير عليه.
كما أن التقييم الأول في التقسيم إنما جاء من خلال مقارنة - أو قل اطلاع فقط - على ستتة من كتب الأصوليين - أربعة على طريقة الجمهور ، وواحد على طريقة الحنفية ، وواحد على الطريقة الجامعة حسب مصطلحهم - ، مع كثرة المؤلفات الأصولية التي تبلغ المئات في عصر ابن خلدون فضلا عمن بعده ، ويلاحظ أيضل أن التقييم الأصلي استبعد كتب الفقهاء الأصوليين ، واكتفى بكتب الأصوليين - والعارف يدري الفرق بين الفقهاء والأصوليين ، حتى ان بعض الأصوليين كالشيرازي وابن السمعاني أخرج الأصوليين من دائرة من ينعقد بقولهم الإجماع ، ويعتبر خلافهم ، بشرطه - .
ثم إن التقسيم لم يأت من أصولي فقيه ، وإنما عن عالم مؤرخ اجتماعي - مع ما له من القراءات الفقهية والأصولية - إلا أن مترجميه لم يعدوه من الفقهاء أو الأصوليين ، والمعاصرون إنما قلدوه في هذا ، ويبدو من نصوصهم عدم مقارنتهم بين الطريقتين .
ليس معنى ما تقدم عدم إمكانية إيجاد فرق - ولو يسير - بين طرق التأليف في الأصول ، وإنما إبداء عدم انتهاض التعليل الخلدوني وتابعيه في تقسيم المذاهب الأصولية ، وليس المقترح الصفح عن هذا التقسيم مباشرة ، وإنما البحث والمقارنة بين الكتب الأصولية للتوصل إلى صحة هذا التقسيم أو زيفه ، ومن ثم تقريره أو البحث عن البديل الصحيح .
ولا يقولن قائل : أن هذا من المصطلحات ولا مشاحة عليها ، لأن المصطلح العلمي إذا لم يقم على تعليل صحيح ، أو انتقضت علته التي ابنى عليها = يكون لغوا .