مدونة المعرفة والتأصيل

مدونة المعرفة والتأصيل

الاثنين، 10 أكتوبر 2016

ملاحظة على تقسيم المذاهب الأصولية



اشتهر لدى كثير من المعاصرين - بما في ذلك المؤلفون، والأصوليون ، وواضعوا المناهج والمقررات - أن المناهج المسلوكة في الأصول ثلاثة أقسام - في الأصل بغض النظر عن بعض ما أحدث بعدها - وهي :( طريقة المتكلمين - طريقة الفقهاء - الطريقة الجامعة ) وذكروا عللا لأصحية هذا التقسيم الاصطلاحي - علما بأن الاصطلاحات معللة بخلاف الأسماء - .
وهذا التقسيم يمكن أن نسميه كما نبه عليه بعض الباحثين ( التقسيم الخلدوني ) لأن ابن خلدون - عالم الاجتماع ومخترعه - أول من بذر فكرة التقسيم في تاريخه ، ثم لم يحظ بعده باعتناء من قبل الأصوليين والفقهاء إلا في العصر الحاضر ، بعد أن تبناه بعض فقهاء مصر أمثال الشيخ الخضر ، وخلاف ، وأبي زهرة ، وغيرهم من فقهاء الأمصار .
وقد اعترض على هذا التقسيم أنه غير مستقيم في المنهج والتعليل، كما أنه غير مطابق لواقع المؤلفات الأصولية على المسلكين - الجمهوري والحنفي - ، فضلا عن مساهمته في الانفكاك عن الأصول والتفقه فيه لدى كثير من المتفقهة .
التقعيد الموسوم بالمتكلمين موجود لدى الحنفية( الفقهاء )، والتفريع الموسوم بالحنفية موجود - وبكثرة - لدى الجمهور ( المتكلمين ) ، وإن كانت بعض المؤلفات تجردت عنها كبعض مؤلفات الحنفية في الأصول ، فالتفريق ليس له أصل منضبط يسير عليه.
كما أن التقييم الأول في التقسيم إنما جاء من خلال مقارنة - أو قل اطلاع فقط - على ستتة من كتب الأصوليين - أربعة على طريقة الجمهور ، وواحد على طريقة الحنفية ، وواحد على الطريقة الجامعة حسب مصطلحهم - ، مع كثرة المؤلفات الأصولية التي تبلغ المئات في عصر ابن خلدون فضلا عمن بعده ، ويلاحظ أيضل أن التقييم الأصلي استبعد كتب الفقهاء الأصوليين ، واكتفى بكتب الأصوليين - والعارف يدري الفرق بين الفقهاء والأصوليين ، حتى ان بعض الأصوليين كالشيرازي وابن السمعاني أخرج الأصوليين من دائرة من ينعقد بقولهم الإجماع ، ويعتبر خلافهم ، بشرطه - .
ثم إن التقسيم لم يأت من أصولي فقيه ، وإنما عن عالم مؤرخ اجتماعي - مع ما له من القراءات الفقهية والأصولية - إلا أن مترجميه لم يعدوه من الفقهاء أو الأصوليين ، والمعاصرون إنما قلدوه في هذا ، ويبدو من نصوصهم عدم مقارنتهم بين الطريقتين .

ليس معنى ما تقدم عدم إمكانية إيجاد فرق - ولو يسير - بين طرق التأليف في الأصول ، وإنما إبداء عدم انتهاض التعليل الخلدوني وتابعيه في تقسيم المذاهب الأصولية ، وليس المقترح الصفح عن هذا التقسيم مباشرة ، وإنما البحث والمقارنة بين الكتب الأصولية للتوصل إلى صحة هذا التقسيم أو زيفه ، ومن ثم تقريره أو البحث عن البديل الصحيح .
ولا يقولن قائل : أن هذا من المصطلحات ولا مشاحة عليها ، لأن المصطلح العلمي إذا لم يقم على تعليل صحيح ، أو انتقضت علته التي ابنى عليها = يكون لغوا .

الأحد، 2 أكتوبر 2016

استدراكات حول المكتوب عن تاريخ الصومال (1)



1- قبل سنوات وقفت على مقال منشور في مجلة كانت تصدر من بعض الجهات – وهي جهة غير رسمية- حول الصومال : أصل التسمية ، ووقت الاشتهار ، وقد تناول الكاتب فيه اسم الصومال وأول من دوّنه في مصنّف – حسب قراءته – وظني في كلامه أنه يقصد ما كتبه المؤرخون والعلماء العرب في الشأن ، وأشار إلى أن أول من وقف عليه العلامة الشيخ عليّ بن الحسن الخزرجي، المتوفى سنة 822للهجرة[1]، في كتابه "العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرّسوليّة" باعتناء وتصحيح الشّيخ محمد علي الأكوع، 1/ 309 حيث قال :" وفيها توفي الفقيه الفاضل أحمد بن عبد الله الجبرتي وأصله من جبرت وهي ناحية من نواحي بلاد الصومال" اهــ.
والأمر كما ذكره كاتبنا فقد ورد لفظ الصومال في الصفحة المذكورة من الكتاب ، في طبعته الثانية التي نشرها مركز الدراسات والبحوث اليمني في صنعاء، عام 1403 للهجرة الموافق لـ 1983 للميلاد ، وطبعته دار الآداب في بيروت لبنان ، وهذه الطبعة الثانية هي أُولى طبعات دار الآداب للكتاب، بتصحيح ومراجعة المؤرخ اليمني المشهور محمد بن علي الأكوع ، وقد راجع تصحيح الشيخ محمد عسل للكتاب ، وصحح الأخطاء الواقعة فيه .
إلا أن الذي يعكر صفو الجو ورود لفظة ( السواد ) بدل ( الصومال ) في الطبعة التي طبعتها مطبعة الهلال بالفجالة مصر عام 1329 للهجرة ، الموافق لـ 1911 للميلاد ، ـ  1/374، وتعتبر هذه الطبعة أولى طبعات الكتاب ، بتصحيح الشيخ محمد بسيوني عسل.
وهذه الطبعة هي التي راجعها الأكوع وصححها ، ولا يبعد أن تكون لفظة (السواد) الواردة فيها، من الأخطاء الواقعة في الطبعة الأولى التي صححها عسل ، إلا أن المشكل أن الأكوع في تصحيحه الثاني للكتاب يعلق على المصحَّح في الهامش ويذكر لفظ الأصل، وخاصة إذا كان الخطأ جوهريا – مثل مسألتنا هذه -  ولم يكن إملائيا أو ما لا ينخرم معه المعنى ، والأكوع لم يعلق على هذا المكان ، ولم يذكر لفظ الأصل، مما يبعث الشك في كون لفظ ( الصومال ) جاء من عند النساخ !.
والفيصل في الأمر الوقوف على مخطوط الكتاب في هذا الموضع ، لنرى لفظ المؤلف ، وهل كان قصده ( الصومال ) أم ( السواد ) أم ربما ( السودان ) فهو محتمل ، وكثيرا ما يستعمله المؤرخون والجغرافيون القدامى وبعض العلماء لأهل المنطقة .
فإن كان منصوص كلامه لفظ ( الصومال ) فالخزرجي أول مؤلف عربي يذكر لفظ الصومال قبل الجيزاني الذي عاش في القرن العاشر الهجري، حسب الموجود والمعلوم ، وإن كان الثاني أو الثالث فالجيزاني الأول .

2- ذكر محقّق قسم شمال أفريقيا وبلاد السّودان من كتاب أنس المهج للشّريف الإدريسي[2] أنّ أوّل من ذكر بلاد ( بربرة ) الصومالية : محمد بن أحمد المقدسي (تـ381ه) في أحسن التّقاسيم [3]، وليس الأمر كما ذكره، فالمقدسي وإن ذكرها إلا أنه ليس أول من ذكر تلك البلاد من جغرافيي العرب ومؤرخيها فقد ذكرها قبله :
-  أبو محمّد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني اليمني (تـ 336 ه ) [4]، وهو أول من وقفت عليه من المؤرخين علما بأنه ليس أول من ذكر اسم هذه البلاد – حسب الموجود – فقد كانت مشهورة قبله بل وقبل العصر النبوي لدى العرب وغيرهم بهذا الاسم[5] .
-  الحسين بن علي المسعودي ( تـ 346ه) في كتابيه مروج الذهب ومعادن الجوهر [6]، والتنبيه والإشراف[7] ، وهو معاصر للهمداني .
ويأتي بعدهما المقدسي في أحسن التقاسيم .
3- ذكر أحد الكتاب في تعليق على مقال له حول تاريخ الصوماليين الأوائل أن ياقوت الحموي (626) هو أول من كتب عن الصوماليين باسم البرابرة قبل ألف عام ولم يكتب أحد قبله عنهم وصفا وجنسا ، حسب ما وقف عليه ، والحقيقة أن هناك من كتب عن الصوماليين باسم البرابرة ، والحموي نقل عن الهمداني شيئا من المتعلق بهم، وكتب الهمداني بعضها موجودة وبعضها مفقودة، وممن كتب عن وصف رقيقهم المقدسي [8] والإدريسي[9] ، والحموي أكثر تفصيلا في ذلك من غيره .





[1] هكذا في مقال الكاتب ، والصحيح أنه توفي عام 812 ه كما في مقدمة العقود صـ11 بتصحيح الأكوع.
[2] ينظر صـ 134 من أنس المهج .
[3] يراجع صـ 124 من أحسن التقاسيم .
[4] نقله عنه الحموي في معجمه 1/370 .
[5] يراجع مقالنا المنشور في شبكة الشاهد : إطلالات على التّاريخ الصّومالي – الجزء الأول.
[6] 1/172 .
[7] صـ 51 .
[8] أحسن التقاسيم 242 .
[9] أنس المهج وروض الفرج الفُرج  134.